/

مقالات ودراسات

أحــوال المربيــن

القواعد الصارمة سر نجاح المدرسة


ميشائيل رودلف يحمل لقب (أكثر مديري المدارس حزمًا وصرامة في العاصمة الألمانية برلين)، وهو لا يشعر بالضيق من هذا اللقب على الإطلاق، خاصة أن كبار المسؤولين في الإدارات التعليمية في كافة أنحاء ألمانيا، يطلبون منه زيارتهم، والتحدث إلى مديري المدارس عندهم، ليستفيدوا من تجربته التي حققت نتائج باهرة، بسبب قدرته على تحويل مدارس فاشلة بجميع المقاييس إلى مدارس نموذجية.
في مدرسة (برجيوس) المتوسطة، التي تتسع سنويًا لقبول 116 طالبًا، لم يكن هناك
أكثر من 38 طالبًا، يرغبون في الالتحاق بها، لسوء سمعتها وبسبب الفوضى التي تسود فيها، حتى أوشكت الإدارة التعليمية على إغلاقها، ثم قررت نقل رودلف إليها، ليحاول إصلاحها، ففعل واستطاع خلال عامين أن يرفع عدد الراغبين في الالتحاق بها إلى 155 طالبًا، واضطر إلى زيادة عدد المقاعد فيها إلى 125 مكانًا.
الطالب التركي (حسين) البالغ من العمر 14 عامًا، يلهث من الجري، ولكنه يصل بعد بدء الحصة الأولى، وبعد إغلاق باب الصف، ونظرًا لأنها المرة الخامسة التي يتأخر فيها خلال شهرين، يستدعيه مدير المدرسة، ويطلب منه الجلوس، ويسأله عن سبب عدم حضور والديه، رغم خطاب الاستدعاء الذي أرسله إليهما، فيعتذر الطالب، ويبرر ذلك بعدم تحدثهما اللغة الألمانية، وعدم قدرتهما على التفاهم مع المدير، ثم يؤكد له أن انتقال الأسرة إلى منزل بعيد، هو السبب في تأخره المتكرر.
قبل أن يصل الأمر إلى الاجتماع مع المدير، تكون العقوبة الأولى البقاء في الساحة، حتى ولو كان الجو ممطرًا، حتى يتعلم الطالب أنه وحده من يتحمل عاقبة تأخره، وفي المرة الثانية يشارك في تنظيف الفناء المدرسي، وفي المرة الثالثة يجري استدعاء ولي الأمر، وإذا لم يحضر يقوم المدير بالتحدث مع الطالب مباشرة.
يسأل المدير الطالب التركي، عن خططه المستقبلية، وما هي الوظيفة التي يريد أن يعمل فيها بعد التخرج، فيهز الطالب كتفيه باستهتار، ويقول: «لا أعرف، أي وظيفة، ربما تاجر سيارات»، وهي الوظيفة التي يمارسها الكثير من الأجانب، فيسأله المدير من جديد: «ألا تعتقد أن الزبائن لن ينتظروا تاجر السيارات، إذا تأخر عن موعده؟»، فيهز حسين رأسه من جديد، فيطلب منه المدير أن يكتب على ورقة: «مدير مدرستي يريد التحدث مع والدي بأسرع وقت ممكن»، ويطلب المدير منه أن يعود إليه غدًا، ومعه توقيع والده على هذه الورقة، لكن عقوبة تنظيف الفناء ستسمر لمدة أسبوع.
يؤكد المدير أن الهدف من هذه الصرامة، هو أن يدرك الطالب أن هنا واجبات لابد له من الالتزام بها، والتي بدونها لن يفلح في حياته، كما يشترط المديرأن تكون هذه العقوبة جزءًا من تصور كامل لعلاج المشكلة، يقوم على الاحترام المتبادل، ولذلك يقف المدير كل صباح على باب المدرسة، ويرحب بالطلاب القادمين في موعدهم، ولا يتحدث مع أحدهم في مكتبه، إلا بعد أن يقف لمصافحته، ثم يطلب منه الجلوس، ويقف لوداعه، ويرافقه حتى باب المكتب، ويوضح تصرفه قائلاً:
«المادة الأولى من الدستور الألماني تنص على أن كرامة الإنسان لا يجوز المساس بها»،وهو أمر نحب أن نلتزم به.